الدهـــــــــــــر

بسم الله الرحمن الرحيم


الدهـــــــــــــر


لا أعلم بأي وصف توصف هذه الدنيا ، ولا بأي شكل نحيا في دورها.. ؟!
تلك الدور الفانية ، التي ستمسي خراباً بعد رحيلنا عنها ، وتركها لخراب الدهر .
ذلك المأوى الذي بات وكأنه محطة لانتظار سلب الروح .
ذلك الإنسان الرائع الذي عاش على الأرض وكأنه من الحور .
سلك طريق الصالحين في سير الحياة الدنيا همه العمل الصالح وراحة الناس من حوله وإسعادهم .. جاء إلينا مسافراً وحط رحله عندنا ليزيح عنه وعثاء السفر والترحال .
لقد غادر (أبو زهراء) .. غادر منذ سنة انتقاله إلى (الدمام) .. غادر إلى الرحلة الأبدية .. ودع أهله وأحبائه ، وجمع شمله ورحل .. ولكن مشيئة الرب جلا وعلا أمهلته ليودع أمانته في مكان ما .. فتوقف في نصف الطريق ، وحط رحله عندنا في مدينة الدمام .
سر من أسرار الوجود لا نعلم كنهه .. هل جاء ليودعنا ..؟
أم جاء ليعطينا درساً في الحياة ويرحل ..؟
بما ذا نفسر تلك الحادثة ..؟
التي هزت كياننا وأحرقت قلوبنا ..
جاء إلينا وعاش معنا على تلك الأرض .. التي نعيش فيها غرباء نقتات منها رزقنا فقط .. وأرواحنا متعلقة في تلك البقعة الغالية على قلوبنا .. تلك الأرض التي تحوي أهلنا وأحبائنا وذكرياتنا العزيزة .
ذلك المكان الذي غادره المرحوم مرغماً ، مودعاً بلا عودة .. مضى وقلبه يتمزق على كل فرد فيها .. من أهل وأقرباء وأصدقاء ..
ركن في تلك الشقة ، وعاش سنة في كد وشقاق .. وعانت زوجته هناك أي معاناة .. تلك الإنسانة الرائعة بنفسها الطيبة وضميرها الصاحي المرباة على شرائع الدين والإسلام ..
تلك المرآة المخدرة في سترها ، التي لم يعرفها أحد في ذلك المكان جاء بها وخبئها كالجوهرة ، وما إن علم الأهل والأصدقاء بأنه أصبح في الجوار حتى هفوا إليه ، وباتت تلك التجمعات من حوله تزداد كل يوم .. وتسعده وتسعدها .. ولكن الأقدار أبت إلا أن تكدر عليه صفو حياته فتمرض تلك الزوجة وتصبح في حال تحتاج فيها إلى أم ترعاها .. وأرواح تسلى معها.
فانتقل معها من منطقة إلى منطقة طلبا للسلوى .
وجاء إلينا حاملاً رعيته ، وكأنه يحمل رسالة ليوصلها إلينا ثم يكمل مسيرته نحو السماء .. جاء ليسلمنا تلك الزوجة وبناته الصغيرات
زهراء فلذة كبده .. وحوراء عينه التي يرى بها .. وفاطمة التي أودعها روحه .
جاء بهن وكأن لسان حاله يقول : هائم بناتي الصغيرات إنهن لكم أنا راحل .. وهذه زوجتي المريضة اليتيمة ( أم زهراء ) الغالية على قلوبنا جميعا.
فصارت هي الأخت والخالة والعمة ..
أتذكرين يا أم زهراء ..؟
أتذكرين كم سهرنا تحت السماء ، وكم عددنا النجوم ..؟
كم جلسنا تحت المطر والرعد.. وتحت تكتلات الغيوم ..؟
هل يطوف في مخيلتك ذكرى جلساتنا في البرية وعلى الشاطئ..؟
ألا زلت تتذكرين سمرنا ونكاتنا الظريفة التي لا ولن تنسى ..؟
أتذكرين يوم حكيت لي عن كيفية ارتباطك المقدس به ..؟
ولكن آه من القدر وزلاته ..
عد من نفسك الحياة فصنها وتوق الدنيا ولا تأممنها
إنما جئتها لتستقبـل الموت وأدخلتها لتخرج عنهــا
سوف يبقى الحديث بعدك فانظر أي أحدوثة تحب فكنها


قدر له القدر أن يرتاح بيننا ؛ ليكمل بعدها رحلته .. انتقل من خلالنا إلى العالم الآخر .. دخل قلوبنا جميعاً وسلب منها عنوة .. ليس فقط أهله ولكن جميع مناطقنا في الدمام ، الكل يبكي فراقه الأليم وفراق أسرته الكريمة .. زوجته وقطرات المطر الثلاث اللاتي وقعن في حجره فحافظ عليهن حتى سلمهن لنا ورحل وحده ، أكمل مسيرته نحو الله .. ولا نعلم إلى أين هو ذاهب .. ونتمنى أن يكون مع الأولياء والصالحين .. وما هو بإذن الله إلا معهم .
وما علينا إلا أن نترحم عليه ونطلب من الله أن يدخله فسيح جناته وأن نكون كما تمنى هو وكما علمنا جميعاً وأن نربي أبناءنا على سيرته وأعماله الصالحة حتى يكون لهم قدوة في مماته كما كان قدوتهم في حياته .. ونشكر الله الذي قربه إلينا ومدنا من نوره قبل أن يسلب منه الروح .. وحسبي قول أنه بيننا يرانا جميعاً ويشعر بنا ولكن نحن لا نراه .
وأخيراً نشكر تلك الأم المتفانية التي ربته على الفضيلة وحب الناس والتي جعلته يعيش في القلوب .
لا تحزني يا أم الفقيد ولا تبكي ، فلقد ربيت وتعبت وحصدت .. توفي شاب ولكنه حمل معه من الزاد كالذي عاش دهراً .. فهنيئاً له عمله الطيب .. ومأجورة أنت في مصابك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أتمنى أن تلامس حروفي مشاعركم بلطف وان تترك نسيماً يدغدغ نفوسكم الطيبة فتفتح لي معكم باباً تطرقه أنامل تحمل وروداً مستأذنة للدخول في قلوبكم المفعمة بالحب للآخرين..

بالانتظار الردود